سجل عام 2014 فشلا ذريعا للخطة الأمريكية للسلام التي عرفت بـ "خطة كيري"، وامتد التصعيد الإسرائيلي من قطاع غزة إلى الضفة الغربية والقدس، وأصبح الوضع شبيها لزمن سبق الانتفاضة الثانية.
خطة كيري..
حاول وزير الخارجية الأمريكي جون كيري تقريب وجهات النظر الفلسطينية الإسرائيلية رغم ابتعاد الخطة عن طموحات الفلسطينيين الوطنية.. بنود الخطة واجهت لاءات اليمين الإسرائيلي الذي كرس سياسته للضغط على رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو من حين إلى آخر لاستصدار الإعلانات الاستيطانية في الأراضي الفلسطينية المحتلة.
قدمت السلطة الفلسطينية للمفاوضات تنازلات كبيرة لتحقيق تقدم نحو الاستقلال، بالمقابل زادت إسرائيل انتهاكاتها لخطة كيري
فتجمدت المفاوضات ما حدا بالرئيس الفلسطيني محمود عباس مرارا للتهديد بحل السلطة وفرض واقع الاحتلال وتحميل إسرائيل مسؤوليتها.. ولأن حل السلطة قد يقلب الطاولة على حكومة تل أبيب والأمريكيين وحتى الأوروبيين ويلحق الضرر ببعض الدول الإقليمية راحت الضغوط تنهال على الفلسطينيين للتحمل والإبقاء على الوضع القائم وانتظار الأفضل المتعثر منذ توقيع اتفاقيات أوسلو عام 1993.
الحرب على غزة
فيما المجتمع الدولي منشغل بتهدئة الفلسطينيين للعدول عن قرارات وخطوات جدية احتجاجا على رفض إسرائيل للسلام، بدأت الحرب ضد قطاع غزة تحت اسم جديد "الجرف الصامد"، وإن كانت الغاية نفسها، وهي إسكات الصوت الفلسطيني بقوة النيران.
صمد قطاع غزة أمام الهجوم غير المسبوق من حيث شراسته، متكبدا آلاف القتلى والجرحى ناهيك عن الدمار الذي ألحقته آلة الحرب الإسرائيلية بمئات آلاف المنازل وانهيار البنية التحتية للقطاع وفق ما وثقته المؤسسات الإنسانية الأممية.
الهجوم على قطاع غزة، الذي تعتبره إسرائيل بمفاهيمها دفاعا عن النفس وضع الحديث عن مستقبل المفاوضات جانبا إلى أجل غير مسمى.
باحات الأقصى
يعتبر عام 2014 الأكثر توترا منذ الانتفاضة الثانية، ورأى مراقبون في إسرائيل وفلسطين بوادر انتفاضة ثالثة رغم تقزيم المسؤولين الأمنيين الإسرائيليين للأحداث، معولين بذلك على التنسيق الأمني مع السلطة الذي قد يكبح التحرك بهذا الاتجاه. أضف إلى ذلك أن الأوضاع الدولية والإقليمية التي لم تسمح كما يبدو بنضوج ثمرة الانتفاضة، ناهيك عن غياب الرغبة السياسية في فلسطين لاندلاعها. فالانتفاضة الأولى والثانية ورغم رفعهما شأن القضية الفلسطينية على المستوى الدولي، إلا أنهما أخفقتا في ترجمة المطالب القومية الفلسطينية على أرض الواقع.
انشغال المجتمع الدولي بمحاربة تنظيم "الدولة الإسلامية" في العراق وسوريا والإخفاقات في محادثات الملف النووي الإيراني أدارت الأنظار عن التصعيد في القدس التي شهدت انتهاكات غير مسبوقة من قبل المستوطنين وصلت إلى اقتحامات يومية ومتكررة لباحات الأقصى تحت حماية القوات الإسرائيلية، بل ووصل الأمر إلى محاولة تشريع هذه الاقتحامات في الكنيست الإسرائيلي من قبل متطرفين في حكومة نتنياهو عن طريق تقديم مشاريع قوانين لتقسيم الأقصى مكانا وزمانا، ونسف عملية السلام بكل ركائزها.
عمليات الطعن والدهس
الهجوم على الكنيس في القدس
في ظل انعدام التأثير الدولي والعربي على الواقع الفلسطيني والتطورات في المدينة المقدسة وفي ظل تضييق الخناق على الفلسطينيين داخل المدينة واشتداد الاقتحامات للأقصى والتوسع الاستيطاني في الأراضي الفلسطينية المحتلة، تخرج إلى الطريق "عمليات الدهس الطعن".
تعتبر مثل هذه العمليات غير المسبوقة الأصعب بالنسبة للمؤسسة الأمنية الإسرائيلية، من حيث درجة التكهن بها ونتائجها، وغالبا ما ينفذها شخص بشكل انفرادي وليس من الضروري أن تكون له انتماءات تنظيمية، وهي ليست بحاجة لتخطيط مسبق دقيق.
هذه العمليات ردعت اقتحامات الحرم القدسي شيئا ما بعد تحذيرات العسكريين الإسرائيليين من تدهور الأوضاع وانتظار الأسوأ، كما ساهمت هذه الأجواء المتوترة أيضا في تعزيز الشرخ بين الفلسطينيين والإسرائيليين وبالتالي استبعاد فكرة استئناف التفاوض بينهما، ويستعيد الطرفان نغمة الاتهامات المتبادلة القديمة.. اسرائيل تتهم السلطة الفلسطينية بتشجيع هذه العمليات. والأخيرة تتهم تل أبيب صراحة هذه المرة بتأجيج الوضع في الأراضي الفلسطينية واتباع سياسة تغيير الوقائع على الأرض..
هذا التدهور في العلاقات بين الطرفين يمتد لاحقا ليشمل علاقات اسرائيل مع الأردن، وخاصة على خلفية التطورات في القدس، ما دفع كيري لاحقا إلى عقد لقاء بين نتنياهو والعاهل الأردني لتهدئة الأمور وعدم تغيير الواقع في المناطق المقدسة واحترام بنود اتفاقية وادي عربة التي تعطي عمان الحق في الإشراف على الشؤون الدينية في المدينة.
قانون القومية.. "يهودية إسرائيل"
نتنياهو في الكنيست
في غمرة هذه الانتهاكات فتحت اسرائيل صفحة جديدة في كتاب العنصرية بطرح بعض قادتها قانون القومية، وهي سياسة جديدة قديمة تتحدث عن هوية إسرائيل بصبغة جديدة.. لم تلق تحركات اليمين ترحيبا حتى لدى الكثيرين من السياسيين الإسرائيليين.. فرغم نص وثيقة الاستقلال للدولة العبرية على أن إسرائيل هي دولة "ديمقراطية ويهودية" إلا أن البعض من المتطرفين في حكومة نتنياهو رأى ضرورة ملحة في تغليب الصفة "اليهودية" على "الديمقراطية"، وسلب حقوق الأقليات فيما يخص مسألة تقرير المصير، ورفع مكانة وشأن اليهود في الدولة أمام الأقليات الأخرى، وسحق اللغة العربية وجعلها لغة ثانوية بدل الرسمية، ومسح حق العودة من تاريخ الفلسطينيين، في مخالفة سافرة لاتفاقيات أوسلو.
ويرى بعض الإسرائيليين أن سن قانون من هذا القبيل سيدمر عملية السلام المتهالكة أصلا..
هذا الجدل بين أحزاب اليمين من جهة وأحزاب الوسط واليسار من جهة أخرى خلق أزمة حكومية تجسدت بانسحاب بعض الوزراء والكتل السياسية من الحكومة ليتم الإعلان فيما بعد عن انتخابات مبكرة.
ويعتبر الفلسطينيون أن الإسرائيليين سيصوتون هذه المرة بين "السلام والحرب" في تلميح إلى عدم العودة إلى المفاوضات في حال تربع نتنياهو على سدة الحكم وإلا سيسعى الفلسطينيون للانضمام إلى المؤسسات الدولية وعلى رأسها محكمة الجنايات بعد التوقيع على ميثاق روما.
اعترافات البرلمانات الأوروبية بفلسطين
مجلس النواب الفرنسي
تواصل التعنت الإسرائيلي دفع برلمانات بعض دول الاتحاد الأوروبي إلى الاعتراف بفلسطين، ما أثار حفيظة إسرائيل رغم رمزية التصويت. وبما أن الاعترافات تعكس رأي الشارع الأوروبي الذي كما يبدو بدأ يشعر بالملل من مفاوضات لم تحقق أي تقدم، فإن حكومة تل أبيب عملت جاهدة لمنع استمرار هذا التطور بهذا الاتجاه لكن دون جدوى.
ورأى مراقبون بالاعترافات رسالة أوروبية للإسرائيليين للكف عن إجهاض حل الدولتين ودعما معنويا للسلطة الفلسطينية وتشجيعها على استئناف المفاوضات وسط وعود بالوقوف إلى جانبها سياسيا واقتصاديا.
ملف المصالحة
الفصائل الفلسطينية - قطاع غزة
شكل ملف المصالحة الفلسطينية حجر عثرة أمام التقدم في عملية السلام وذلك للذرائع التي وضعتها إسرائيل أمام المجتمع الدولي، القائلة بصعوبة وجود شريك في الجانب الفلسطيني المنقسم على نفسه.
لكن الفرقاء في فلسطين تمكنوا من قطع الطريق على حكومة اليمين بالتوصل إلى اتفاق لإنهاء الانقسام الداخلي والإعلان عن حكومة الوحدة، ليخرج نتنياهو هذه المرة بحلة جديدة تخير الرئيس الفلسطيني محمود عباس بين السلام مع إسرائيل أو الشراكة مع حركة "حماس" ويحاول جاهدا تجنيد المجتمع الدولي ضد السلطة الفلسطينية التي تدعم "الإرهاب" حسب اعتقاده.
الرباعية الدولية.. دعوات لتفعيلها
عباس وبلير -رام الله
في ظل تأزم الأوضاع والابتعاد عن عملية السلام، واصلت روسيا مرارا خلال العام الدعوة إلى تفعيل دور الرباعية الدولية التي اختفت عن الأنظار ربما بسبب الأحداث في الدول العربية وانشغال المجتمع الدولي بها.
وترى روسيا في تفعيل الرباعية ولعبها الدور الأهم في الوساطة الدولية مخرجا من مأزق المفاوضات المتعثرة. ويعول الفلسطينيون على الموقف الروسي والأوروبي من قضيتهم ولا يخفون انحياز الوسيط الأمريكي لإسرائيل.
حاولت إسرائيل دائما خلال عام 2014 مقايضة الملف الفلسطيني بالملف الإيراني.. وتجرأ نتنياهو على الخروج بتصريحات علنية بوجوب التخلص من البرنامج النووي الإيراني قبل البحث عن حل للقضية الفلسطينية.
و رغم تحذيرات الأمريكيين لنتنياهو بعدم ربط مسألة السلام مع الفلسطينيين بالملف الإيراني، استمر في رفع سقف التهديدات ضد طهران، بل وهاجم واشنطن بعد تصريحات لكيري عن أن الإخفاق في السلام مع الفلسطينيين يعزز صفوف "داعش"، ليبدأ لاحقا حديث عن توتر في العلاقات الأمريكية الإسرائيلية سرعان ما وصفته واشنطن وتل أبيب بأنه مجرد "اختلاف في رؤى الأصدقاء".
الطريق إلى مجلس الأمن
هذا الواقع لم يبق للفلسطينيين منفذا سوى التوجه إلى مجلس الأمن حيث يتربص بهم الفيتو الأمريكي، حاملين مشروعا جديدا ينص على إنهاء الاحتلال الإسرائيلي للأراضي الفلسطينية في غضون عامين.
مشروع القرار ينادي بضرورة أن يستند أي حل مستقبلي إلى حدود 1967 والاتفاقات الأمنية والقدس عاصمة مشتركة للدولتين، وهو ما يلبي الطموحات المشروعة للطرفين ويحمي حرية العبادة.
ويدعو النص أيضا الجانبين إلى التوقف عن أي إجراءات أحادية وغير قانونية، بما في ذلك الأنشطة الاستيطانية، والتي قد تقوض جدوى حل الدولتين.
تململت واشنطن بين رفض المشروع والمطالبة بتعديله كي لا تصب الزيت على نار التوتر بين الخصمين. وهنا طالب كيري الفلسطينيين بمشروع أكثر مرونة، في إشارة إلى تحديد إنهاء الاحتلال، وأكد للمسؤولين الأوروبيين الذين يميلون إلى التصويت لصالح المشروع أن تمريره سيعزز صفوف اليمين المتطرف في إسرائيل، خصوصا وأن الأخيرة تتجه نحو انتخابات مبكرة. وأنهت واشنطن عام 2014 باستخدام الفيتو مرة أخرى ضد طموحات الفلسطينيين.
المصدر: RT